قال الاوزاعي قال عبد الله قلت: والله لآتين هذا الرجل ولأسألنه أنى له هذا الكلام فهم أم علم أم إلهام ألهم, فأتيت الرجل فسلمت عليه فقلت: سمعتك وأنت تقول اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها علي وفضلتني على كثير من خلقت تفضيلا. فأي نعمة من نعم الله عليك تحمده عليها, وأي فضيلة تفضل بها عليك تشكره عليها, قال وما ترى ما صنع ربي والله لو أرسل السماء علي نارا فأحرقتني وأمر الجبال فدمرتني وأمر البحار فغرقتني وأمر الأرض فبلعتني ما ازددت لربى إلا شكرا لما أنعم علي من لساني هذا ولكن يا عبد الله إذ أتيتني لي إليك حاجة قد تراني على أي حالة أنا, أنا لست أقدر لنفسي على ضر ولا نفع ولقد كان معي بني لي يتعاهدني في وقت صلاتي فيوضيني وإذا جعت أطعمني وإذا عطشت سقاني ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام فتحسسه لي رحمك الله. فقلت والله ما مشي خلق في حاجة خلق كان أعظم عند الله أجرا ممن يمشي في حاجة مثلك فمضيت في طلب الغلام فما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كثبان من الرمل فإذا أنا بالغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه, فاسترجعت وقلت أنى لي وجه رقيق آتى به الرجل فبينما أنا مقبل نحوه إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي صلى الله عليه وسلم فلما أتيته سلمت عليه فرد على السلام فقال: ألست بصاحبي ؟ قلت بلى, قال: ما فعلت في حاجتي ؟ فقلت أنت أكرم على الله أم أيوب النبي؟ قال بل أيوب النبي 0قلت هل علمت ما صنع به ربه أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟ قال بلى 0 قلت فكيف وجده ؟ قال وجده صابرا شاكرا حامدا, قلت لم يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه, قال نعم.
حسن الخاتمة الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، فلله الحمد ربِ السماوات وربِ الأرض ربِ العالمين، وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده الخير ومنه الخير وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا. أمّا بعد: فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ التقوى، وراقبوه في السرِّ والنجوَى. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) عباد الله: يقول المولى جل وعلا (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم، ساء ما يحكمون). ساعة الختام هي ملخص حياة الإنسان، والخواتيمُ ميراثُ السّوابق.. وحسن الخاتمة أن يوفّق العبد قبل موته للتوبة عن الذنوب والسيئات، والإقبال على الطاعات والقربات، ثم يكون موته على هذه الحال الحسنة. فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أراد الله بعبده خيرًا استعمله، قالوا: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت.
ها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت، ترى فاطمة رضي الله عنها ما يتغشاه من الكرب الشديد عند الموت، فتقول: واكرب أبتاه، فيقول لها صلى الله عليه وسلم استبشاراً بلقاء ربه وحسن خاتمته: (ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم). وهذا بلال بن رباح رضي الله عنه تحضره الوفاة فيردد: غدًا نلقى الأحبة: محمدًا وصحبه، فتبكي امرأته قائلة: وابلالاه واحزناه، فيقول: وافرحاه. وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما نزل به الموت قال: مرحبًا بالموت زائرٌ بعد غياب، وحبيبٌ جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافك، فأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لجري الأنهار ولالغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء عند حِلَق الذكر. وهذا الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله،عند إحتضاره قال لمن حوله: اخرجوا عني فلا يبقى أحد، فخرجوا فقعدوا على الباب، فسمعوه يقول: مرحبًا بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قال: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)،. وهاهو عامر بن عبدالله بن الزبير المؤذن يجود بنفسه في سكرات الموت، ويعد أنفاس الحياة، وأهله حوله يبكون، وبينما هو يصارع الموت، إذ سمع المؤذّن ينادي لصلاة المغرب، فقال لمن حوله: خذوا بيدي فقالوا: إنك عليل، قال: أسمع داعي الله فلا أجيبه!
قال عليه الصلاة والسلام: ما يزال البلاء في المؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة 0 ولذا فإنه يتوجب على كل مسلم أن يوطن نفسه على تحري البلاء, ولينتظره في أي لحظة ما, مادام أنه يرجوا زيادة إيمانه 0 واسألوا الله فقولوا: اللهم لا تبتلينا فتفضحنا, وإذا ابتليتنا فصبرنا. فإن البلاء فتنة والفتنة تمحيص وظهور للحال وكشف للأمر وقد قال سبحانه ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) 0 واعلموا أنكم في دار البلاء والمحن والفتن, وقد قال صلى الله عليه وسلم " إن السعيد لم جنب الفتن, إن السعيد لمن جنب الفتن, إن السعيد لمن جنب الفتن, ولمن ابتلي فصبر, فواها. اللهم أصلح أحوالنا......................
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. (عباد الله) إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فأذكروا الله العظيم الجليل يذكركم وأشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون
قلت:أنى لك هذا ؟ قال إن لله درجات لا تنال إلا بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء مع خشية الله عز وجل في السر والعلانية. والهم ارحمنا وارحم موتانا وصبرنا عند البلاء يارب العالمين 0 أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه............ الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين.......................... أيها الإخوة المسلمون: اتقوا الله تعالى حق التقوى 0 عباد الله: لقد فقد كثير من الناس اليوم الصواب حين التعامل مع ما يصيبه فيما ظاهره الابتلاء, فيرد الأمر إلى من (لا يسمن ولا يغني من جوع) من مخلوقات الله الفقيرة إلى الله, أو يعزوا ما يصيبه إلى فعل من لا يقدر على دفع الضر أو جلب النفع له فضلا عن غيره, وتجده يتضجر ويخرج عن الحد المشروع 0 إن على المسلم – أيها الإخوة - أن يعلم علم اليقين أنه مبتلا في هذه الحياة لا محالة, شاء ذلك أم أبى, رضي أم سخط, ولو تأخر عنه البلاء فسيصيبه, فإن الله تعالى قال في محكم تنزيله ( بسم الله الرحمن الرحيم * الم أحسب الناس لأن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) وقال سبحانه ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا...... ) كما على المسلم أن يعلم أنه إن لم يبتلى في جسده فسيبتلى بماله, وإن لم يبتلى بماله فسيبتلى بأهله أو ولده أو والده أو قريبه أو جاره, وإن لم يبتلى بذلك فسيبتلى بأي نوع من البلاء, وقد يبتلى المسلم بذلك كله.
وإنما سيبكون من حسرة الفوت.. فقد تركوا دارا لم يتزودوا منها ، ودخلوا دارا لم يتزدوا لها، قال سبحانه (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون، لعلي أعمل صالحا فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون). ألا فأستعدوا للموت قبل نزول الخطر.. وتزودوا بالزاد قبل السفر.. (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى). هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على إمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين، محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بذلك فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
الخطبة الأولى يعيش الناس في هذه الحياة ما كَتب الله لهم من الأعوام والشهور والأيام، ثم يرتحلون، قال ربنا: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34] وقال سبحانه: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]. فكل امرئ مرهون بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وقيمة عمل المرء في حسن خاتمته، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّما الأعمالُ بخواتيمِها كالوعاءِ إذا طاب أعلاه طاب أسفَلُه وإذا خبُث أعلاه خبُث أسفلُه). فمن أعظم ما ينبغي أن يحرِص عليه الإنسان، ختامُ حياتِه وحسنُ لقاء ربه، فمن وفقه الله للعملِ الصالحِ في آخر عمرِه وفي آخرِ ساعةٍ من الأجَل، فقد كَتب الله له حُسن الخاتمة، ومن خذله الله فختم ساعةَ أجلِه بعَمَل سيءٍ أو ذَنبٍ يُغضِب الله، فقد خُتِمَ له بخاتمةِ سُوءٍ والعياذُ بالله، وَقَد أمَرَنَا الله بالحِرصِ عَلَى نَيلِ الخاتمةِ الحسَنةِ فقَالَ تَعَالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] كما أنه سبحانه رغّب وحثّ في كتابه الكريم على حُسن الاستعداد للقائه سبحانه وتعالى بالعمل الصالح فقال: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].